وقفات مع حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة
1. أنه ولد في أشرف بيت من بيوت العرب، فهو من أشرف فروع قريش، وهم بنو هاشم، وقريش أشرف قبيلة في العرب ، وقد روي عن العباس رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إن الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم من خير فرقهم، وخير الفريقين، ثم تخير القبائل، فجعلني من خير قبيلة، ثم تخير البيوت، فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسا، وخيرهم بيتا»( رواه الترمذي بسند صحيح).
2- أنه نشأ يتيما، فقد مات أبوه عبد الله وأمه حامل به لشهرين فحسب، ولما أصبح له من العمر ست سنوات ماتت أمه وقد كفله بعد ذلك جده عبد المطلب، ثم توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ثمان سنوات، فكفله بعد ذلك عمه أبو طالب حتى نشأ واشتد ساعده
3- أمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم السنوات الأربع الأولى من طفولته في الصحراء في بني سعد
4- أنه عليه الصلاة والسلام كان يرعى في أوائل شبابه لأهل مكة أغنامهم بقراريط يأخذها أجرا على ذلك، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: « ما من نبي إلا قد رعى الغنم» قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: « وأنا» ثم لما بلغ من عمره خمسا وعشرين، عمل لخديجة بنت خويلد في التجارة بمالها على أجر تؤديه إليه.
5- لم يشارك عليه الصلاة والسلام أقرانه من شباب مكة في لهوهم ولا عبثهم، وقد عصمه الله من ذلك، فقد استفاض في كتب السيرة أنه سمع وهو في سن الشباب غناء من إحدى دور مكة في حفلة عرس، فأراد أن يشهدها، فألقى الله عليه النوم، فما أيقظه إلا حر الشمس، ولم يشارك قومه في عبادة الأوثان، ولا أكل شيئا مما ذبح لها، ولم يشرب خمرا، ولا لعب قمارا، ولا عرف عنه فحش في القول
6- أصاب الكعبة سيل أدى إلى تصدع جدرانها، فقرر أهل مكة هدمها وتجديد بنائها، وفعلوا، فلما وصلوا إلى مكان الحجر الأسود فيها اختلفوا اختلافا شديدا فيمن يكون له شرف وضع الحجر الأسود في مكانه، وأرادت كل قبيلة أن يكون لها هذا الشرف، واشتد النزاع حتى تواعدوا للقتال، ثم ارتضوا أن يحكم بينهم أول داخل من باب بني شيبة، فكان هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين، رضينا بحكمه، فلما أخبر بذلك، حل المشكلة بما رضي عنه جميع المتنازعين، فقد بسط رداءه ثم أخذ الحجر فوضعه فيه، ثم أمرهم أن تأخذ كل قبيلة بطرف من الرداء، فلما رفعوه وبلغ الحجر موضعه، أخذه ووضعه بيده، فرضوا جميعا، وصان الله بوفور عقله وحكمته دماء العرب من أن تسفك إلى مدى لا يعلمه إلا الله.
7- عرف عليه الصلاة والسلام في شبابه بين قومه بالصادق الأمين، واشتهر بينهم بحسن المعاملة، والوفاء بالوعد، واستقامة السيرة، وحسن السمعة، مما رغب خديجة في أن تعرض عليه الاتجار بمالها في القافلة التي تذهب إلى مدينة (بصرى) كل عام على أن تعطيه ضعف ما تعطي رجلا من قومها، فلما عاد إلى مكة وأخبرها غلامها ميسرة بما كان من أمانته وإخلاصه، ورأت الربح الكثير في تلك الرحلة، أضعفت له من الأجر ضعف ما كانت أسمت له، ثم حملها ذلك على أن ترغب في الزواج منه، فقبل أن يتزوجها وهو أصغر منها بخمسة عشر عاما
8- سافر مرتين خارج مكة، أولاهما مع عمه أبي طالب حين كان عمره اثنتي عشرة سنة، وثانيتهما حين كان عمره خمسا وعشرين سنة، متاجرا لخديجة بمالها، وكانت كلتا الرحلتين إلى مدينة (بصرى) في الشام، وفي كلتيهما كان يسمع من التجار أحاديثهم، ويشاهد آثار البلاد التي مر بها، والعادات التي كان عليها سكانها.
9- حبب الله إليه عليه الصلاة والسلام قبل البعثة بسنوات أن يخرج إلى غار حراء - وهو جبل يقع في الجانب الشمالي الغربي من مكة، على قرب منها- يخلو فيه لنفسه مقدار شهر - وكان في شهر رمضان- ليفكر في آلاء الله، وعظيم قدرته، واستمر على ذلك حتى جاءه الوحي، ونزل عليه القرآن الكريم.
في السيرة منذ البعثة حتى الهجرة إلى الحبشة
1. لما تم للنبي صلى الله عليه وسلم أربعون سنة، نزل عليه جبريل بالوحي في يوم الإثنين لسبع عشر خلت من رمضان، ويحدثنا الإمام البخاري رضي الله عنه في « صحيحه» بالسند المتصل إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن كيفية نزول الوحي عليه، فتقول:أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه - وهو التعبد- الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة، فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال له: اقرأ. فقال: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا
قارئ. فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1- 6]، فرجع بها رسول الله صلى
الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فقال: زملوني، زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: والله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل [الضعيف]، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، وكان ابن عم خديجة، وكان امرءا تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس -صاحب الوحي وهو جبريل - الذي نزل على موسى، يا ليتني فيها جذعا -شابا قويا – ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب [يلبث] ورقة أن توفي وفتر الوحي».
2- كان أول من آمن به زوجه خديجة رضي الله عنها، ثم ابن عمه علي رضي الله عنه وهو ابن عشر سنين، ثم مولاه زيد بن حارثة، ثم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وكان أول من أسلم من العبيد بلال بن رباح الحبشي وعلى ذلك تكون خديجة أول من آمن به إطلاقا، وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معها آخر يوم الإثنين، وهو أول يوم من صلاته، وكانت الصلاة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي.
3- بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يدعو إلى الإسلام من وثق بعقله ثلاث سنوات كاملة، حتى أسلم عدد من الرجال والنساء ممن عرفوا برجحان الرأي وسلامة النفس.
4- أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن بلغ عدد الداخلين في الإسلام نحوا من ثلاثين أن يبلغ الدعوة جهرا، وذلك في قوله تعالى:{ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ } [الحجر: 94].
5- ابتدأت بذلك مرحلة الإيذاء للمؤمنين الجدد ولرسول الله صلى الله عليه وسلم
6- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الفترة يجتمع بالمؤمنين سرا في دار الأرقم بن أبي الأرقم الذي دخل في الإسلام أيضا، وكان الرسول يتلو عليهم ما ينزل عليه من آيات القرآن الكريم، ويعلمهم من أحكام الدين وشرائعه ما كان ينزل حينئذ.
7- أمر الرسول صلى الله عليه وسلم يومئذ بأن ينذر عشيرته الأقربين، فوقف على الصفا، ونادى بطون قريش بطنا بطنا، ودعاهم إلى الإسلام وترك عبادة الأوثان، ورغبهم في الجنة وحذرهم من النار، فقال له أبو لهب: تبا لك، ألهذا جمعتنا؟.
8- رغبت قريش في أن تنال من الرسول، فحماه عمه أبو طالب، ثم طلب بعد ذهابهم أن يخفف من دعوته، فظن أن عمه خاذله، فقال كلمته المشهورة: « والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه، ما تركته».
9- اشتد أذى المشركين بعد ذلك للرسول وصحابته، حتى مات منهم من مات تحت العذاب وعمي من عمي.
10- لما رأت قريش ثبات المؤمنين على عقيدتهم، قررت مفاوضة الرسول على أن تعطيه من المال ما يشاء، أو تملكه عليها، فأبى ذلك كله.
11- لما رأى الرسول تعنت قريش واستمرارها في تعذيب أصحابه، قال لهم: «لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن فيها ملكا لا يظلم أحد عنده حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه» فهاجر للمرة الأولى اثنا عشر رجلا، وأربع نسوة، ثم عادوا بعد أن علموا بإسلام عمر وإظهار الإسلام، لكنهم ما لبثوا أن عادوا ومعهم آخرون ، وقد بلغ عددهم في الهجرة الثانية إلى الحبشة ثلاثة وثمانين رجلا، ومن النساء إحدى عشرة.
12- مقاطعة المشركين لرسول صلى الله عليه وسلم وبني هاشم وبني المطلب ألا يبايعوهم، ولا يناكحوهم ولا يخالطوهم، ولا يقبلوا منهم صلحا أبدا، واستمرت المقاطعة سنتين أو ثلاثا، لقي فيها الرسول ومن معه في هذه المقاطعة جهدا شديدا، ثم انتهت المقاطعة بمسعى عقلاء قريش.
منذ الهجرة حتى استقرار النبي في المدين
ة
1 علمت قريش بإسلام فريق من أهل يثرب، فاشتد أذاها للمؤمنين بمكة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة،
2. ولما أيقنت قريش أن المسلمين قد أصبحوا في المدينة في عزة ومنعة، عقدت مؤتمرا في دار الندوة للتفكير في القضاء على الرسول نفسه، وهكذا اجتمع الفتيان الموكلون بقتله صلى الله عليه وسلم على بابه ليلة الهجرة ينتظرون خروجه ليقتلوه.
3. لم ينم الرسول صلى الله عليه وسلم تلك الليلة على فراشه، وإنما طلب من علي رضي الله عنه أن ينام مكانه، وأمره إذا أصبح أن يرد الودائع التي كان أودعها كفار قريش عنده إلى أصحابها، وغادر الرسول صلى الله عليه وسلم بيته دون أن يشاهده الموكلون بقتله، وذهب إلى بيت أبي بكر، وكان قد هيأ من قبل راحلتين له وللرسول صلى الله عليه وسلم، فعزما على الخروج، واستأجر أبو بكر عبد الله بن أريقط الدِّيلي وكان مشركا ليدلهما على طريق المدينة
4. خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر يوم الخميس أول يوم من ربيع الأول لسنة ثلاث وخمسين من مولده عليه الصلاة والسلام، ولم يعلم بأمر هجرته إلا علي رضي الله عنه وآل أبي بكر رضي الله عنه، وعملت عائشة وأسماء بنتا أبي بكر في تهيئة الزاد لهما، وقطعت أسماء قطعة من نطاقها - وهو ما يشد به الوسط- فربطت به على فم الجراب - وعاء الطعام- فسميت لذلك: ذات النطاقين، واتجها مع دليلهما عن طريق اليمن حتى وصلا إلى «غار ثور»، فكمنا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف « حاذق» لقن « سريع الفهم»، فيخرج من عندهما بالسَحَر، ويصبح مع قريش بمكة كأنه كان نائما فيها، فلا يسمع من قريش أمرا يبيتونه لهما إلا وعاه حتى يأتيهما في المساء بخبره.
5. قامت قيامة قريش لنجاة الرسول صلى الله عليه وسلم من القتل، وخرجوا يطلبونه من طريق مكة المعتاد، فلم يجدوه واتجهوا إلى طريق اليمن، ووقفوا عند فم « غار ثور» وأبو بكر رضي الله عنه يرى أقدامهم وهم واقفون على فم الغار، فيرتعد خوفا على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول له: والله يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى موطئ قدمه لرآنا، فيطمئنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟».
6. وصل الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه المدينة في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول
7. كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في طريقه إلى المدينة قد وصل إلى «قباء» وهي قرية جنوب المدينة ، فأسس فيها أول مسجد بني في الإسلام، وأقام فيها أربعة أيام ثم سار إلى المدينة، فلما وصلها كان أول عمل عمله بعد وصوله أن اختار المكان الذي بركت فيه ناقته ليكون مسجدا له، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللَّبِن [الطوب]، حتى تم بناء المسجد جدرانه من لَبِن، وسقفه من جريد النخل مقاما على الجذوع.
8. ثم كان أن آخى المهاجرين والأنصار، فجعل لكل أنصاري أخا من المهاجرين،
9. ثم كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا يتضمن المبادئ التي قامت عليها أول دولة في الإسلام، وفيها من الإنسانية والعدالة الاجتماعية والتسامح الديني والتعاون على مصلحة المجتمع ما يجدر بكل طالب أن يرجع إليه ويتفهمه ويحفظ مبادئه.
ونحن نذكر بعض المبادئ العامة التي تضمنتها هذه الوثيقة التاريخية الخالدة:
وحدة الأمة المسلمة من غير تفرقة بينها.
تساوي أبناء الأمة في الحقوق والكرامة.
حماية من أراد العيش مع المسلمين مسالما متعاونا، والامتناع عن ظلمهم والبغي عليهم.
لغير المسلمين دينهم وأموالهم، لا يجبرون على دين المسلمين ولا تؤخذ منهم أموالهم.
على غير المسلمين أن يسهموا في نفقات الدولة كما يسهم المسلمون.
على المسلمين وغيرهم أن يمتنعوا عن حماية أعداء الدولة ومن يناصرهم.
حرية الانتقال داخل الدولة وخارجها مصونة بحماية الدولة.
لا حماية لآثم ولا لظالم.
المجتمع يقوم على أساس التعاون على البر والتقوى، لا على الإثم والعدوان.
هذه المبادئ تحميها قوتان:
قوة معنوية، وهي: إيمان الشعب بالله ومراقبته له، ورعاية الله لمن [عاهد] ووفى.
وقوة مادية، وهي : رئاسة الدولة التي يمثلها محمد صلى الله عليه وسلم.
في معارك الرسول الحربية
ما كاد يستقر النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة حتى بدأت المعارك الحربية بينه وبين قريش ومن والاها من قبائل العرب، وقد اصطلح المؤرخون والمسلمون على أن يسموا كل معركة بين المسلمين والمشركين وحضرها النبي بنفسه «غزوة» وكل مناوشة حصلت بين الفريقين ولم يحضرها الرسول صلى الله عليه وسلم « سرية» وقد بلغ عدد غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم ستا وعشرين غزوة، وبلغ عدد سراياه ثمانيا وثلاثين سرية، ونقتصر في هذه العجالة على أشهر غزواته:
1- غزوة بدر الكبرى:
وكانت في اليوم السابع عشر من رمضان للسنة الثانية من الهجرة، خرجت قريش في نحو من ألف مقاتل، منهم ستمائة دارع (لابس للدرع) مائة فرس عليها مائة درع سوى دروع المشاة، وسبعمائة بعير، ومعهم القيان يضربن بالدفوف، ويغنين.أما المسلمون فكانت عدتهم ثلاثمائة وثلاثة عشر أو أربعة عشر رجلا، وأكثرهم من الأنصار، وكان معهم سبعون جملا، وفرسان أو ثلاثة أفراس فحسب، وكان يتعاقب النفر اليسير على الجمل الواحد فترة بعد أخرى، وقبل أن يخوض المعركة، قال له سعد بن معاذ وهو سيد الأنصارجميعا: يارسول الله قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يارسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، ما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، وإنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله. فسر الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك، وقال: سيروا على بركة الله، وأبشروا، فإن الله وعدني إحدى الطائفتين، إما العير، ولما التقى الجمعان، أخذ الرسول يسوي صفوف المسلمين، ويحرضهم على القتال، ويرغبهم في الشهادة، وقال: « والذي نفسي بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل، فيقتل صابرا محتسبا، مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة» ، وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعاء، ومن دعائه: «اللهم أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تهلك هذه العصابة (المؤمنون المحاربون) لا تعبد في الأرض» وأطال في سجوده حتى قال له أبو بكر: حسبك، فإن الله سينجز لك وعدك، ثم حمي القتال، وانتهت المعركة بانتصار المسلمين، وقد قتل من المشركين نحو من السبعين، فيهم أشركهم أبو جهل وبعض زعمائهم، وأسر منهم نحو السبعين
2 غزوة أحد
وكانت في العام الثالث للهجرة، وسببها أن قريشا أرادت أن تثأر ليوم بدر، ساروا حتى وصلوا أحد ( وهو جبل مرتفع يقع شمال المدينة) ، ثم خرج والمسلمون مع الرسول في نحو ألف بينهم مائة دارع وفرسان.حتى وصل إلى ساحة أحد، فجعل ظهره للجبل ووجهه للمشركين، وصف الجيش، ، واختار خمسين من الرماة، على رأسهم عبد الله بن جبير الأنصاري ليحموا ظهر المسلمين من التفاف المشركين وراءهم، وقال لهم: «احموا ظهورنا، لا يأتونا من خلفنا، وارشقوهم بالنبل؛ فإن الخيل لا تقوم على النبل، إنا لا نزال غالبين ماثبتم مكانكم، اللهم إني أشهدك عليهم» ثم ابتدأ القتال، ونصر الله المؤمنين على أعدائهم، فقتلوا منهم عددا، ثم ولوا الأدبار، فانغمس المسلمون في أخذ الغنائم التي وجدوها في معسكر المشركين، ورأى ذلك من وراءهم من الرماة فقالوا: ماذا نفعل وقد نصر الله رسوله؟ ثم فكروا في ترك أمكنتهم لينالهم نصيب من الغنائم، فذكرهم رئيسهم عبد الله بن جبير بوصية الرسول، فأجابوا بأن الحرب قد انتهت، ولا حاجة للبقاء حيث هم، فأبى عبد الله ومعه عشرة آخرون أن يغادروا أمكنتهم، ورأى خالد بن الوليد خلو ظهر المسلمين من الرماة، فكرَّ عليهم من خلفهم، فما شعر المسلمون إلا والسيوف تناوشهم من هنا وهناك، وتكاثر المشركون على الرسول يريدون قتله، فثبت صلى الله عليه وسلم وثبت معه نفر من المؤمنين، منهم: أبو دجانة، ، ومنهم سعد بن أبي وقاص ومنهم: نسيبة أم عمارة الأنصارية وقد قال صلى الله عليه وسلم في حقها: « ما التفت يمينا وشمالا يوم أحد، إلا ورأيتها تقاتل دوني » وقد حاول في ساعة الشدة أن يصل أبي بن خلف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليقتله، وأقسم ألا يرجع عن ذلك، فأخذ عليه السلام حربة ممن كانوا معه، فسددها في نحره، فكانت سبب هلاكه، وهو الوحيد الذي قتله صلى الله عليه وسلم في جميع معاركه الحربية.وممن قتل في هذه المعركة حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم، ومثلت به هند زوج أبي سفيان، واحتزت قلبه ومضغته، وقد بلغ عدد قتلى المسلمين في هذه المعركة نحوا من السبعين، وقتلى المشركين ثلاثة وعشرين.
3 غزوة بني النضير
وهم قوم من اليهود يجاورون المدينة، وبينهم وبين المسلمين عهد سلم وتعاون ، ولكن طبيعة الشر والغدر المتأصلة في اليهود أبت إلا أن تحملهم على نقض عهدهم، فبينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه في بني النضير وقد استند إلى جدار من بيوتهم، إذ تآمروا على قتله بإلقاء صخرة من ظهر البيت، فعلم صلى الله عليه وسلم بذلك فنهض سريعا كأنه يهم بحاجة، فتوجه إلى المدينة، ، وخرج إليهم صلى الله عليه وسلم في أصحابه يحمل لواءه علي بن أبي طالب، فلما رآهم اليهود أخذوا يرمونهم بالنبل والحجارة، فحاصرهم عليه الصلاة والسلام، فصبروا فاضطر إلى قطع نخيلهم، فقالوا عندئذ: نخرج من بلادك، فلما أرادوا الخروج أخذوا كل شيء يستطيعونه، وهدموا بيوتهم كيلا يستفيد منها المسلمون
4 غزوة الأحزاب
وتسمى غزوة (الخندق)، وقد وقعت السنة الخامسة للهجرة، وسببها أنه لما تم إجلاء بني النضير، قدم عدد من حلفائهم إلى مكة يدعون قريشا ويحرضونها على قتال الرسول، فأجابت قريش لذلك، واستجاب غيرهم واتجهوا نحو المدينة، فلما سمع صلى الله عليه وسلم بخروجهم، استشار أصحابه فأشار عليه سلمان بحفر خندق حول المدينة، وبدأ القتال باقتحام بعض فرسان المشركين للخندق من إحدى
نواحيه الضيقة، فناوشهم المسلمون وقاتلوهم، ثم جاء نعيم بن مسعود ابن عامر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنه قد أسلم، وأن قومه لا يعلمون بإسلامه، وأنه صديق لبني قريظة يأتمنونه ويثقون به، وقال للرسول: «مرني بما شئت» فقال له الرسول: « إنما أنت فينا رجل واحد، فخَذل عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة» فاستعمل نعيم دهاءه حتى فرق بين قريش وحلفائها، وبين بني قريظة، وأوقع في نفوس كل من الفريقين الشك في الآخر، وأرسل الله على الأحزاب ريحا شديدة في ليلة شاتية شديدة البرد، فجعلت تكفئ قدورهم وتمزق خيامهم، فامتلأت نفوس الأحزاب بالرعب ورحلوا في تلك الليلة، فلما أصبح الصباح نظر المسلمون فلم يروا أحدا.
5غزوة بني قريظة
وقد وقعت في السنة الخامسة للهجرة عقب غزوة الأحزاب، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن رأى ما انطوت عليه نفوس يهود بني قريظة من اللؤم والغدر والتحزب مع قريش وحلفائها، وبعد أن أعلنت له إبان اشتداد معركة الأحزاب أنها نقضت عهدها معه، وكانت وهي تساكن الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة تهم بشر عظيم قد يقضي على المسلمين جميعا لولا انتهاء معركة الأحزاب بمثل ما انتهت إليه، رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤدب هؤلاء الخائنين الغادرين، ويطهر منهم المدينة مقر جهاده ودعوته حتى لا تواتيهم الظروف مرة أخرى، فينقضوا على جيرانهم المسلمين ويبيدوهم كما هي طبيعة الغدر اليهودي اللئيم.
6 صلح الحديبية
وقعت في السنة السادسة للهجرة، أمر الناس أن يتجهزوا للخروج إلى مكة معتمرين، لا يريد حربا لقريش ولا قتالا، وأحرم بالعمرة ، لما وصل الحديبية - وهي مكان قريب من مكة - فقالوا: لا والله لا يدخلها عليهم عنوة أبدا، ولا يتحدث العرب عنا بذلك.بعث الرسول صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان إلى أهل مكة ليؤكد لهم الغرض من مجيء الرسول وصحابته، وأبطأ عثمان، فأشيع بين المسلمين أنه قد قتل، فقال الرسول عندئذ: لا نبرح حتى نناجز القوم (نقاتلهم) ودعا المسلمين إلى البيعة على الجهاد، والشهادة في سبيل الله، فبايعوه تحت شجرة هناك من أشجار الطلح على عدم الفرار، وأنه إما الصلح، وإما الشهادة، ولما علمت قريش بأمر البيعة، خافوا ورأوا الصلح معه على أن يرجع هذا العام ويعود من قابل
7غزوة خيبر
وكانت في للسنة السابعة من الهجرة.و (خيبر) واحة كبيرة يسكنها اليهود شمال المدينة جهة الشام.وسببها أن النبي صلى الله عليه وسلم قرر تصفية مشكلة التجمعات اليهودية فيما حول المدينة وقد كان لليهود في خيبر حصون منيعة، وكان فيها نحو من عشرة آلاف مقاتل، وعندهم مقادير كبيرة من السلاح والعتاد، وكانوا أهل مكر وخبث وخداع، فلا بد من تصفية مشكلتهم قبل أن يصبحوا مصدر اضطراب وقلق للمسلمين في عاصمتهم (المدينة) ولما وصلوا إليها فتح المسلمون منها حصنا بعد حصن، إلا الحصنين الأخيرين، فقد رغب أهلها في الصلح على حقن دماء المقاتلة، وترك الذرية والخروج إلى أرض خيبر بذراريهم، وألا يصحب أحد منهم إلا ثوبا واحدا، فصالحهم على ذلك، وعلى أن ذمة الله ورسوله بريئة منهم إن كتموا شيئا، ثم غادروهما فوجد المسلمون فيهما أسلحة كثيرة، وصحائف متعددة من التوراة، فجاء اليهود بعد ذلك يطلبونها، فأمر بردها إليهم، وقد بلغ عدد قتللى اليهود في هذه المعركة ثلاثة وتسعين، واستشهد من المسلمين خمسة عشر.
8 غزوة مؤتة
كانت في الثامنة من الهجرة، و (مؤتة) قرية على مشارف الشام، جنوب شرق البحر الميت، جهز لهم جيشا من المسلمين عدته ثلاثة آلاف، وأمر عليهم زيد بن حارثة، واوصاهم إن أصيب زيد فليؤمروا جعفر بن أبي طالب، فإن أصيب فليؤمروا عليهم عبدالله بن رواحة، وطلب من
زيد أن يأتي مقتل الحارث بن عمير، وأن يدعوا من هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلا فليستعينوا بالله وليقاتلوهم، وأوصاهم بقوله: « أوصيكم بتقوى الله وبمن معهم من المسلمين خيرا، اغزوا باسم الله، وفي سبيل الله، من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغلوا (الغلول السرقة)
ولاتقتلوا وليدا ولا امرأة ولا كبيرا فانيا، ولا منعزلا بصومعة، ولا تقربوا نخلا ولا تقطعوا شجرا ولا تهدموا بناء» ، فقاتل زيد حتى قتل، ثم استلم اللواء بعده جعفر بن أبي طالب، فقاتل على فرسه، ثم اضطر للنزول عنها فقاتل مترجلا، فقطعت يمينه ، فأخذ اللواء بيساره، فقطعت
يساره، فاحتضن اللواء حتى قتل رضي الله عنه، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة، فقاتل حتى قتل، ثم اتفق المسلمون على إمرة خالد بن الوليد للجيش - وكانت هذه أول معركة يحضرها في الإسلام- فما زال يستعمل دهاءه الحربي حتى أنقذ الجيش الإسلامي من الفناء، ثم عاد به إلى المدينة.وقد أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم على خالد بن الوليد في هذه المعركة: (سيف الله).
9 فتح مكة
وكان في الثامنة من الهجرة، تجهز النبي صلى الله عليه وسلم لقتال قريش إلا أنه لم يرد أن يخبر الناس عن وجهته، لئلا تستعد قريش، فتستباح حرمة البلد الحرام،كان عددهم حين خروجهم من المدينة عشرة آلاف، ثم انضم إليهم في الطريق عدد من قبائل العرب، ثم وصل الجيش مكة، فأعلن منادي الرسول: من دخل داره وأغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن واستثنى من ذلك خمسة عشر رجلا عظمت جريرتهم في حق الإسلام ورسوله، ثم دخل رسول الله مكة وهو راكب راحلته، منحن على الرحل، شكرا لله على هذا الفتح الأكبر، ثم طاف الرسول بالبيت، وأزال ما حولها من أصنام بلغت ثلاثمائة وستين، ثم دخل الكعبة وصلى ركعتين فيها، ثم وفق على بابها وقريش تنظر ما هو فاعل بها، فقال فيما قال ساعتئذ: « يا معشر قريش، ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا خيرا؛ أخ كريم وابن أخ كريم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اليوم اقول لكم ما قال أخي يوسف من قبل: { لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } [يوسف: 92] اذهبوا فأنتم الطلقاء»
حـــــــــــــجّــة الوداع
كانت الحجة الوحيدة التي أداها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد البعثة، ولما تسامع الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيحج في تلك السنة، توافدوا إلى الحج من مختلف أنحاء الجزيرة العربية حتى بلغوا114 ألفا وقد خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطتبه الشهيرة جاء فيها:"أيها الناس، اسمعوا قولي، لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً" أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، وحرمة شهركم هذا، وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلغت، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها....أما بعد أيها الناس، فان الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبداً، ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضي به مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروا على دينكم.....أما بعد أيها الناس فان لكم على نسائكم حقاً، ولهن عليكم حقاً ... فاعقلوا أيها الناس قولي، فاني قد بلغت، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به، فلن تضلوا أبداً، أمراً بيناً، كتاب الله وسنة نبيه، أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه، تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم، وأن المسلمين إخوة، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه، فلا تظلمن أنفسكم، اللهم هل بلغت؟"..
وفـــــــــــاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن كان قد علم من طريق الوحي بقرب أجله، فودع الناس في حجة الوداع، فلما أشيع عن وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم اضطرب الصحابة جميعاً لهول الكارثة، وزلزلت المدينة زلزالها، وطاشت عقول كثير من كبار الصحابة والسابقين الى الاسلام، ولكن أبا بكر وحده هو الذي كان ثابت الجأش، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسجى على فراشه، فقبله وقال له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما أطيبك حياً وميتاً! أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها، ثم لن تصيبك بعدها موتة أبداً، يا رسول الله اذكرنا عند ربك.ثم خرج أبو بكر الى الناس، فخطب فيهم وقال: أيها الناس! من كان يعبد محمداً، فان محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله، فان الله حيٌّ لا يموت، ثم تلا قوله تعالى: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً، وسيجزي الله الشاكرين" [آل عمران: 144].